مسجد البراق.. معلم ديني إسلامي في القدس يحاول الاحتلال تهويده
القدس المحتلة - القسطل: يقع مسجد البراق تحت باب المغاربة إلى الشمال بمحاذاة حائط البراق للمسجد الأقصى، ويتألف من قبو برميلي ينزل إليه بعدد من الدرجات من الرواق الغربي داخل ساحات المسجد الأقصى، وقد عرف باسمه بسبب وجود الحلقة التي يعتقد أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ربط فيها دابة البراق ليلة الاسراء والمعراج.[1]
يُذكر أن شرطة الاحتلال تتواجد بشكل مستمر بالقرب من المصلى، لقربه من باب المغاربة، وهو الباب الذي يقتحم منه المستوطنون المسجد الأقصى بشكل يومي.
يحتوي مسجد البراق على محراب أموي، وفي ناحيته الغربية كان باب قديم يسمى "باب البراق" أغلق بعيد العهد الأموي، وكان يصل مباشرة إلى ساحة البراق خارج الأقصى المبارك. وينزل إلى مصلى البراق حالياً من خلال الرواق الغربي للأقصى بدرجات حجرية يبلغ عددها 38 درجة. ويفتح المصلى كل يوم جمعة للزيارة.[2]
يتخذ مسجد البراق شكلاً مستطيلاً بمساحة مائة متر، وبني سقفه على شكل نصف برميلي، وهو ما اشتهرت به المنشآت الأموية في المدينة المقدسة، وقد وضع به العثمانيون حلقة حديدية للدلالة على حادثة الإسراء والمعراج. في مطلع التسعينيات، اتخذه المتصوفون من أصحاب الطريقة القادرية مقراً لحلقات الذكر، وبقي زاوية صوفية حتى اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وبعد ذلك تحول إلى مصلى عادي يستقبل المصلين من الثامنة صباحاً حتى صلاة الظهر ثم يغلق. [3]
ويعاني مصلى البراق من تشققات في بعض حجارته نتيجة الرطوبة الشديدة وتساقط المياه، وهو وضع يهدد بالتفاقم. كما تتواجد قوة من شرطة الاحتلال باستمرار عند باب مصلى البراق القائم داخل المسجد الأقصى، مما يعيق وصول المصلين إليه.[4]
ويتكوّن المسجد من قاعة واسعة للصلاة، ومراحيض للرجال والنساء، بالإضافة إلى سكن مخصّص لإمام ومؤذن المسجد، فضلاً عن مدرسة ملحقة بالمسجد لتحفيظ القرآن، ودراسة التفسير وعلم التجويد والأحاديث النبوية.[5]
ويُعدّ حائط البراق من أشهر المناطق المقدسة في مدينة القدس القديمة، وبالنسبة للمسلمين فإن قدسية المكان تعود إلى أثر النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) عندما ربط جبريل البراق في الحائط خلال ليلة الإسراء والمعراج، كما يُعتبر المكان الأكثر قدسية عند اليهود، كونهم يؤمنون أن هذا المكان هو الأثر الوحيد الباقي من الهيكل الهيرودي، فعندما دمر الرومان معبد "هيرود" بعد الحرب اليهودية في عام 70 ق. م، لم يبقَ سوى الجدار الغربي من الحرم الداخلي للمعبد، وعلى مر القرون التي تلت وحتى الآن، يتجمّع الحجاج اليهود في القدس للصلاة في الحرم القدسي، أو على جبل الزيتون، وأخذت منطقة حائط البراق شكلها الحالي منذ القرن السادس عشر الميلادي من قِبَل الملك سليمان القانوني، حيث أمر ببناء الجدران الحجرية الضخمة في المدينة القديمة في عام 1537. ويُقال إنه حلم بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يأمره ببناء هذه الجدران للدفاع وحماية القدس، وخلال بناء سور المدينة أصدر القانوني مرسوماً رسمياً يسمح لليهود أن يكون لهم مكان للتعبّد والصلاة عند حائط البراق أو المبكى من قبل التسامح الديني.[6]
وعند استيلاء "الإسرائيليين" على شرق القدس خلال حرب عام 1967، منحت السكان الفلسطينيين داخل الحي المغربي فرصة ثلاث ساعات فقط لإخلاء منازلهم، ثم جاءت الجرافات ودمرت الكثير من هذه المنطقة التاريخية من أجل خلق ساحة كبيرة تكفي لاستيعاب الآلاف من الحجاج "الإسرائيليين" الذين تدفقوا للصلاة عند حائط البراق.[7]
وقد تم إنشاء مسجد البراق في العهد المملوكي 707-737 هـ (1305-1363م). كما يبلغ طول حائط البراق 48 متراً وارتفاعه حوالي 17 متراً.[8]
في عام 1910 تقدم متولي وقف أبو مدين الغوث التلمساني في حي المغاربة في القدس والذي كان قد أوقفه الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي عام 1193 بشكوى واعتراض إلى متصرف القدس، عزمي بك على إقدام بعض اليهود المتدينين بوضع كراسي وأدوات للصالة الجماعية عند حائط البراق مخالفة للأعراف المتبعة وتغيير الوضع الواقع التاريخي والقانوني في محاولة لادعاء بعض الحقوق بالملكية في المكان. وأمر المتصرف عزمي بك بإزالة الكراسي والأدوات وحذر من خطر تكرار هذا الاعتداء.[9]
من الجدير بالذكر أن الممر الكائن عند حائط البراق ليس طريقاً عاماً، بل أنشئ فقط لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى مسجد البراق، ومن ثم الى الحرم الشريف، وقد كان السماح لليهود بالسلوك إلى الحائط من قبيل التسامح في المرسوم الصادر عن إبراهيم باشا في العام 1840، وليس لأداء الصلوات. كما أن حائط البراق جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف، وهو وقْف إسلامي لعائلة “بومدين” الجزائرية المغاربية المسلمة، وليس فيه حجر واحد يعود إلى عهد الملك سليمان.[10]
وقد أصدرت الأمم المتحدة العديد من القرارات المنصفة لحق الشعب الفلسطيني والمساندة له، إلا أن القرار 2334 ثار غضب "الإسرائيليين" بشكل خاص عن غير من القرارات، كونه يعد الحي اليهودي في القدس القديمة منطقة محتلة، وكذلك الأمر بالنسبة لحائط البراق.[11]
وبالعودة إلى الفقرة الثالثة من القرار فإنها تؤكد على أنه "لن يعترف بأي تغييرات على حدود ما قبل 1967، بما فيها ما يتعلق بالقدس، باستثناء ما يتفق عليه الطرفان". أي أن دول العالم لا تعترف مسبقاً بالحدود التي ما ازلت "إسرائيل" تسعى لفرضها كأمر واقع، إن كان بقرارات لضم كالقدس بحدودها الموسعة، أو بقرارات الضم الزاحفة التي تشمل ما يسمى بالكتل الاستيطانية، أو بشرعنة البؤر الاستيطانية وغيرها.[12]
والجدير بالذكر أن القرارات الصادرة عن منظمة اليونسكو المتعلقة بالقدس بعد عام 1993 كانت قد تناولت عدة قضايا حساسة متمثلة في رفض الإجراءات "الإسرائيلية" في المدينة، وكذلك إضافة القدس إلى قائمة التراث العالمي، وقضية الارتباط الديني اليهودي بالمسجد الأقصى وحائط البراق.[13]
ولم يتخذ اليهود حائط البراق مكاناً للعبادة إلا بعد صدور وعد بلفور البريطاني عام 1917، ولم يكن هذا الحائط جزءاً من "الهيكل اليهودي" المزعوم، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكن اليهود من الوقوف أمامه والبكاء عنده على خراب هيكلهم المزعوم، ثم بمرور الزمن ادعوا أن حائط البراق من بقايا هذا "الهيكل".[14]
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن بريطانيا -التي كانت الدولة المنتدبة على فلسطين- اعترفت صراحة في كتابها الأبيض الذي أصدرته في تشرين الثاني 1928 أن الحائط الغربي والمنطقة المجاورة له ملك للمسلمين خاصة، وجزء من المسجد الأقصى المبارك. وفي عهد الانتداب البريطاني زادت زيارات اليهود للحائط حتى شعر المسلمون بخطرهم، ووقعت ثورة البراق بتاريخ الـ 23 من/آب 1929 فاستشهد فيها العشرات من المسلمين، وقتل عدد كبير من اليهود.[15]
ويعمل الاحتلال "الإسرائيلي" منذ احتلاله للقدس على تهويد المدينة عبر سلسلة من الحفريات وهدم العديد من المنازل، ومن المهم بمكان التوضيح أن عمليات الهدم والتوسيع "الإسرائيلية" بجوار مسجد البراق تهدف إلى تحويل المسجد، الذي يطل على ساحة البراق، إلى كنيس يهودي.
قائمة المراجع والمصادر:
[1] رائد صلاح، باقون: نكبة حارة المغاربة في صور أربعون عاماً تحت الاحتلال الإسرائيلي، (مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، أم الفحم، 2007)، ص 8.
[2] عبد الله معروف، رأفت مرعي، أطلس معالم المسجد الأقصى، (مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع: عمان، 2010)، ص39.
[3] محمد أبو الفيلات، موقع الجزيرة نت، 6/11/2016.
https://www.aljazeera.net/news/alquds/2016/11/6/%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D8%B5%D9%89-%D9%8A%D8%B4%D9%83%D9%88-%D9%82%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1
[4] موقع المعرفة، مسجد البراق.
https://www.marefa.org/%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%82
[5] صحيفة زمان الوصل، مسجد البراق.. أثر النبي وزيف اليهود، 30 تموز 2015.
https://www.zamanalwsl.net/news/article/62958/
[6] المرجع السابق.
[7] المرجع السابق.
[8] مهدي عبد المهدي، باب الرحمة: مدخل لمراجعة موجزة وبيان المشهد الحالي، (القدس: الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، 2017)، ص3-6
[9] المرجع السابق.
[10] المتوكل طه، حائط البراق وَقْف إسلامي لعائلة “بومدين” الجزائرية المغاربية المسلمة، صحيفة رأي اليوم، ديسمبر 2020.
https://www.raialyoum.com/index.php/%D8%AD%D8%A7%D8%A6%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%88%D9%8E%D9%82%D9%92%D9%81-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D9%85%D8%AF%D9%8A/
[11] محمد عادل القاضي، القدس في القرارات الدولية، (الخليل: جامعة الخليل، 2019)، ص61.
[12] المرجع السابق.
[13] المرجع السابق، 65.
[14] المركز الفلسطيني للإعلام، حائط البراق..هوية التاريخ المستهدف، 8 يونيو 2017.
https://palinfo.com/202755
[15] المرجع السابق.
. . .